Tuesday, March 3, 2020

اليابان تعيد النظر في ساعات العمل القاتلة

يستطيع هيديوكي أن يحصي عدد أيام الإجازات التي حصل عليها طيلة العام الماضي على أصابع اليد الواحدة، كان أحدها لحضور حفل التحاق ابنته بالمدرسة الابتدائية، ونصف يوم لحضور اجتماع الآباء ونصف يوم آخر لحضور حفل موسيقي. ويقول هيديوكي إن هذا يفوق عدد الأيام التي يحصل عليها عادة كل عام.

ويعمل هيديوكي، المهندس البالغ من العمر 33 عاما، في شركة للتكنولوجيا في طوكيو، ورغم أنه يستحق إجازة سنوية تصل إلى 20 يوما، إلا أنه، كشأن الكثير من اليابانيين، لا يستطيع الحصول إلا على الحد الأدنى من الإجازات لأن بيئة العمل تمنعه من الحصول على إجازات.

ويقول هيديوكي، الذي لديه طفلان في الرابعة والسادسة من العمر، ولم يرغب في الإفصاح عن اسمه الحقيقي: "لا أريد أن يتهمني مديري بالتقصير إذا حصلت على إجازة. فإن المجيء إلى العمل أفضل من أن يوبخني مديري أو ينظر لي نظرة سلبية".

وتشير آخر الإحصاءات الحكومية إلى أن الموظفين اليابانيين لم يحصلوا إلا على 52.4 في المئة من أيام إجازاتهم السنوية مدفوعة الأجر. وأصبح الأمر أشبه بالوباء المتفشي بين الموظفين اليابانيين الذين اشتهروا بالجد والمثابرة.

ويرجع ذلك إلى ضغوط العمل والتوقعات التي تثقل كاهل الموظفين وتمنعهم من الحصول على الإجازات خشية "الشعور بتأنيب الضمير".

وقد اشتهرت اليابان بثقافة العمل الشاق، التي تتجلى في حرص العاملين على العمل لساعات طويلة حد الإنهاك. ومن المعتاد أن يستقل الموظفون آخر قطار ليلا للعودة إلى منازلهم.

وفي السبعينيات من القرن الماضي صيغ مصطلح "كاروشي" أو الموت تحت وطأة العمل المفرط والضغوط النفسية في اليابان، ولا تزال هذه الظاهرة ملازمة لثقافة العمل اليابانية.

ويقول هيروشي أونو، أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة هيتوتسوباشي، إن المجتمع الياباني، خلافا للغربي، هو مجتمع اشتراكي وتراتبي منظم بحسب المراتب والطبقات. ومن ثم قد يمتنع الموظف عن الحصول على إجازة لأن مديريه لا يحصلون عليها، أو لأنه يخشى من تعطيل العمل.

ويرى هيديوكي أن عدم الحصول على الإجازات أصبح أمرا عاديا بين الموظفين اليابانيين. لكنه يقول إنه لم يفكر في آثار العمل المتواصل على أسرته وصحته البدنية أو النفسية.

ويضيف أنهم يعانون بالفعل من ضغط العمل في الشركة بسبب تغيب أحد زملائه الذي حصل على إجازة مرضية طويلة إثر تردي صحته النفسية. فإذا تغيب شخص يزيد عبء العمل على سائر الموظفين.

ولا يحصل أي من المديرين وكذلك الموظفين على إجازات، ويقول: "لا يمكن أن أكون الموظف الوحيد الذي يحصل على إجازة".

أما تسيوشي، مدير بأحد المطاعم في محافظة غونما، فبالرغم من أنه تسلم العمل منذ أربع سنوات، إلا أنه لم يفكر في مراجعة استحقاقاته من الإجازات.

ويقول تسيوشي، الذي لم يفصح عن اسمه الحقيقي- ما يكشف عن مدى كراهة التحدث صراحة عن مشاكل بيئات العمل- إن الحد الأقصى من أيام الإجازات التي يحصل عليها سنويا هو يومان، كان آخرها في أغسطس/آب الماضي، عندما كان طريح الفراش.

وعن ردود فعل زملائه حيال الحصول على الإجازات يقول إن الموظفين يستاؤون بشكل عام عندما يحصل أحدهم على إجازة، وقد لا يبدون اعتراضهم في حضور هذا الموظف، لكنهم يذمونه في غيبته. ويحصل الموظف الذي يعمل ساعات أطول ولا يحصل على إجازات على تقييم سنوي أفضل. إذ يرى أكثر الموظفين أن الحصول على الإجازات أمر مستهجن.

تدخل الحكومة
وتتصدر مشاكل بيئات العمل اليابانية أولويات رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي أثمرت محاولاته لتحديث نمط العمل الياباني، عن قانون إصلاح نمط العمل الجديد الذي يعدل ثمانية قوانين عمل يابانية أخرى.

وينص القانون على وضع حد أقصى لساعات العمل الإضافية وزيادة المرونة مع الموظفين، وأن يحث أصحاب العمل الموظفين على الحصول على خمسة أيام إجازة على الأقل من العمل، وألا يتعدى رصيد إجازات الموظف في نهاية العام 10 أيام.

ويقول سوسومو أودا، مدير إدارة تحقيق الانسجام بين الحياة الشخصية والعملية بوزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، إن الحصول على إجازة يساعد الموظف في استعادة نشاطة نفسيا وبدنيا.

ويضيف أن الوزارة أعدت منشورات ولافتات للترويج لبيئات العمل المرنة التي تسهل على الموظف الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر.

"فجوة واضحة بين الأجيال"
غير أنه ليس من السهل تغيير عادات العمل في اليابان، خاصة إذا كانت لها جذور راسخة في المجتمع. وفي دراسة أعدتها شركة "إكسبيديا" لحجز رحلات السفر عام 2018، كانت اليابان في ذيل قائمة الدول من حيث عدد الإجازات التي يحصل عليها الموظفون.

وذكر 58 في المئة من المشاركين أن السبب الذي يمنعهم من الحصول على إجازاتهم السنوية هو "الشعور بوخز الضمير"، ولم يذكر إلا 43 في المئة فقط أن مديريهم كانوا يشجعونهم على الحصول على إجازة، وهو المعدل الأدنى عالميا.

No comments:

Post a Comment